في حوالي الساعة السابعة مساء... كان أحمد ينطلق بسيارة الأجرة التي يمتلكها علي الطريق السريع المؤدي الي كلية الطب التابعة للجامعة الوطنية, وصل أحمد الكلية مرهقا.. وأوقف سيارته في ركن هادئ بمحاذاة أحد الجدران الخارجية للكلية... نمدد أحمد علي كرسيه ليأخذ قسطا من الراحة ... وبدأ يفكر بزوجته وطفلتيه الصغيرتين التين خلفهما في محافظة نائية قبل ثلاثة أشهر تقريبا اغرورقت عينا أحمد بالدموع... وما زال يتذكر يوم سفره وطفلته الصغيرة تبكي وتقول: بابا أنا أحبك... لماذا تتركنا؟! ... رافقتك السلامة يا بابا... جرت الدموع علي خد أحمد كالمدرار وغرق في بحر من الأفكار.
و بعد مضي ساعتين من الزمن .. أفاق أحمد علي أصوات قادمة وطقطقة أحذية يبدوا أنها ذوات كعوب عالية ... اقتربت الأصوات أكثر فأكثر... استوى أحمد علي مقعده ونظر عبر المرآة العاكسة المتدلية من فوقه ليري طالبتين تتجهان نحوه... كانتا جميلتين بعض الشيء وكانت قمصانهما المعملية تتدلى من سواعدهما... اقتربتا أكثر فأكثر ... ثم تجاوزتا السيارة ... خاب أمل أحمد وانزعج من طقطقة أحذيتهما ثم صوّب نظرة فحص تجاههما ليرى؟ !.... أفزعه ما رأى... رأى أشبه ما يكون كساقي حمار تتدلي من تحت تنورتهما ... نعم الطقطقة كانت تصدر من أظلاف تلك السيقان ... استعاذ أحمد بالله مرّات ومرّات وهرب بسيارته فزعا... وبينما هو يد لف الى شارع آخر ... أشار اليه رجل عجوز من على الرصيف مناديا: تاكسي... تاكسي... أوقف أحمد السيارة ولم يكن ايقاف السيارة للرجل أكثر من الاستئناس معه... ركب الرجل قائلا: لو سمحت أوصلني الى تقاطع نمرة 4
بعد طول صمت... بدأ أحمد الكلام بما رآه قبل قليل فرد الرجل غير مكترثا: نعم... نعم... هذه الأيام بدأت الأرجل تتحول الى سيقان حمير سأل أحمد بعد أن اعتبر ما قاله مجرد نكتة سخيفة: هل رأيت هذا من قبل؟ صمت العجوز قليلا ثم رفع رجله... أعني ساقه المتجعدة بظلفها البالى في وجه أحمد وفجأة انحرفت السيارة عن الجادة واصطدمت بأحد أعمدة الكهرباء... نعم أغمي علي أحمد, وبسرعة وصلت سيارة الاسعاف ونقلته الى المستشفي أفاق أحمد من غيبوبته بعد ثلاث ساعات وهو بين حشد من الأطباء والممرضات ثم جال نظره في وجوه الحاضرين... رفع رأسه الذي يؤلمه قليلا... نظر الي رجليه ثم قال متمتما: الحمد لله ما زالتا بخير!