][®][^][®][تحولت الوضيمة إلي وليمة][®][^][®][
..عن جدتي
في عصر يوم قائظ قفل الفلاحون عائدين الى القرية قبل موعدهم منكّسي الرؤوس وهم يحملون بين أيديهم شيئا لف في حصير ومع اقترابهم تبين أن المحمول انسان فصرخت غير متمالكا نفسي وتوالت الصرخات وتداعت وخرج الناس من بيوتهم وأطلّ الباقون من أكواخهم
.... انه الفلاح ابراهيم زوج شمسة المحبوب في القرية.... الرجل الذي عهدنا منه كل الخير لطالما ساعد المحتاج وأعان الملهوف انه توفي من كل عائلة..
أشاحت القرية عن وجه كئيب ذلك اليوم لم ندر ماذا نفعل؟!.... تدفق الناس نحو بيت المرحوم لكي يواسوا ويعزوا أهله وجهزت وسط العويل والصراخ, وبعد العصر أخرجت من المسجد وسط موكب مهيب لم يتخلف منه أحدا واتجهوا نحو المقابر وأوصلوه الى مثواه الأخير.
رجعنا الى القرية وقد خيم على الكل السكون فلا تسمع الا همسات تعبر عن عميق حزنها وتفرق الناس نحو بيوتهم ومع حلول الظلام اتجهت الى بيت ابراهيم لأتفقد زوجته وابنتيه وبت معهم تلك الليلة
ومع اشراقة الصباح اتجه كبار القرية الى البيت وأعلنوا أنه سيقام المأتم بعد أن يرجع كل واحد من شغله وقبيل المغرب عاد الناس من عملهم واتجهوا نحو البيت وأقيم المأتم وتداعى صراخ النساء وعويلهن من هنا وهناك كتداعي نقيق الضفادع في فصل الربيع وأصيب الرجال الخرس لا يدرون ما يقولون عن هذا العزيز الذي فقدوه..!
رجع معظم الناس الى بيوتهم بعد التعزية ولكني بقيت مع الباقين وبعد دقائق خرجت الأرملة من غرفتها وهي تصرخ وتولول فاتجهت نحوها.... قالت وهي مذعورة: ان أحدا يقرع النافذة الخلفية للبيت ويدعى أنه ابراهيم فاتجهت نحو النافذة متيقنة الخبر فسمعت طرقات خفيفة فقلت من؟! ردّ الصوت: ابراهيم قلت: ابراهيم مات ودفناه... ماذا تريد منه؟! ردّ الصوت: أنا ابراهيم... أنا لم أمت... صدقوني... ناولوني ازاري.... انني عريان!!!
لم أصدق ما سمعت وازددت فزعا وناديت أخي محمود من بين الرجال فأخبرته الخبر وهو بدوره أوصل الخبر الى أصحابه, ومع بعض توجهوا نحو النافذة فسأل أخي محمود: من الطارق؟ ردّ الصوت: يا محمود أنا صاحبك ابراهيم وقد جئت من المقابر سألوه مستغربين: ماذا تقصد؟! ردّ الصوت: ناولوني ازاري وسآتيكم!! قال رجل من بين الحاضريبن: أعطوه... ان كان صادقا فسنري وان كان نصابا قتلناه برماحنا... اتجه الرجال الى ساحة البيت بعد أن قذفوا له الازار من النافدة.... ركزو أعينهم نحو الباب... و بعد دقائق أقبل رجل يلبس إزارا واقترب الرجل أكثر فأكثر وبدأ يصافح واحدا تلو الآخر ينادى باسمه: كيفك يافلان؟!.... لم نصدق ما نرى... فأسرع رجل بالقنديل نحو وجه الغريب فرفعه في وجهه... يا الهي انه ابراهيم... عرفنا ملامح وجهه.... ثم قال رجل: ان كنت ابراهيم فأخبرنا كيف خرجت من القبر؟ قال ابراهيم وقد طوقه الناس مندهشين: أفقت من نومي بحرار ة الشمس وأنا ملقى على حافة قبر محفور فتلفتّ في كل اتجاه بعد أن رأيت نفسي كما ولدتني أمي... عرفت أنني بين المقابر وأن هذه ربما حفرت لي فخفت أن يراني شخص بهذه الهيئة فاتجهت نحو الغابة وأنا أتواري عن الأنظار فطلعت شجرة فكنت متسترا بين غصونها وأوراقها طوال اليوم ختى ان فلان قد مر من تحتي وهو يسوق أغنامه... ونزلت منها مع حلول الظلام وها أنذا الآن جئت الى بيتي!!!.... فقاطعه رجل : لكن كيف خرجت من القبر؟! بعد أن أهلنا عليك التراب؟! فسكت ابراهيم مفكرا... فسأله آخر: وكيف رفعت عن نفسك كل تلك البراميل الثقيلة التي وضعناها فوقك؟ فرد ابراهيم: لاأعرف...
فقال رجل عجوز: لكنني أعرف... فالتفت الناس اليه مستغربين!!: أأنت الذي أخرجته؟ قال: لا... انه لص الأكفان! ربما نسيه على حافة القبر بعد أن سرق كفنه ولاذ بالفرار وأضاف رجل آخر: انه هو لقد رجع بعد شهر من سرقة كفن فلان!! فرد الجميع بصوت واحد وهم يهزون رؤوسهم: نعم.. نعم.. اته لص الأكفان.. وقال البعض: جزاك الله خيرا يالص الأكفان... وتحول الغم والهم الى فرح وسرور وتحول النياح والعويل الى زغرودة وأخذ ابراهيم في الأحضان فعلا صوت يبشر لأهل القرية : ياأيها الناس أقبلوا ان ابراهيم قد بعث! فتدفق الناس نحو البيت.. وهكذا تحولت الوضيمة الى وليمة... الطعام هو الطعام واللحم هو اللحم والناس هم الناس ولكن الجو ليس الجو وعاش ابراهيم سنوات رزقه الله فيها سبعة أولاد... وأشرقت الشمس تلك الليلة قبل الصباح.
فسألت جدتي: لكن لم تقل لنا كيف مات ابراهيم؟! أجابت: يا أولادي لقد كان مصابا بداء الصرع منذ صغره وقد أصابه ذلك اليوم فظنناه ميتا فدفنوه فقلت في نفسي: صدق الله العظيم حيث قال:﴿﴿ لكل أمة أجل اذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾﴾ .
د.المهدي